قال تعالى:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[1]
تفسير الآية:
قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يخبر تعالى أنه لولاه لما كان في الكون نور ولا هداية في السموات ولا في الأرض فهو تعالى منورهما فكتابه نور، ورسوله صلى الله عليه وسلم نور، أي يُهْتدي بهما في ظلمات الحياة كما يهتدي بالنور الحسي، والله تعالى ذاته نور، وحجابه نور فكل نور حسي أو معنوي الله خالقه وموهبه وهادٍ إليه.والمعنى: أنه سبحانه وتعالى جعل هداه في الكفر كالنور في الظلام، فيهتدي قوم ويضل قوم.
قال ابن عباس رحمه الله تعالى: الله هادي أهل السموات والأرض لا هادي فيهما غيره، فهم بنوره إلى الحقّ يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون وليس يهتدي ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل إلاّ بهدى منه.وقوله تعالى: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ)أي كوة في جدار ويكون المصباح فيها شديد الإضاءة وقيل المشكاة: العمود الذي يكون المصباح على رأسه، والأول أصح وأشهر، والمعنى صفة نور الله في وضوحه كصفة مشكاة فيها مصباح، على أعظم ما يتصوّره البشر من الإضاءة والإنارة، وإنما شبه بالمشكاة وإن كان نور الله أعظم، لأن ذلك غاية ما يدركه الناس من الأنوار ، فضرب المثل لهم بما يصلون إلى إدراكه. (فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ) من بلور، (وَالزُّجَاجَةُ)في صفائها وصقالتها مُشرقة(كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) والكوكب الدري هو المضيء المُشرق كأنه درة بيضاء صافية، وقوله: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) أي وزيت المصباح من شجرة مباركة وهي الزيتونة، والزيتونة لا شرقية ولا غربية في موقعها من البستان لا ترى الشمس إلا في الصباح، ولا غربية لا ترى الشمس إلا في المساء بل هي وسط البستان تصيبها الشمس في كامل النهار فلذا كان زيتها في غاية الجودة يكاد يشتعل لصفائه، ولو لم تمسه نار، وقوله تعالى: (نُورٌ عَلَى نُورٍ) أي نور النار على نور الزيت، وقيل: هذا نور الفطرة على نور الوحي وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي وقوله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) يُخبر تعالى أنه يهدي لنوره الذي هو الإيمان، والإسلام، والإحسان، من يشاء من عباده ممن عُلم أنهم يرغبون في الهداية ويطلبونها ويكملون ويسعدون عليها.وقوله: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يخبر تعالى: أنه يضرب الأمثال للناس كهذا المثل الذي ضربه للإيمان وقلب عبده المؤمن وأنه عليم بالعباد وأحوال القلوب، ومن هو أهل لهداية ومن ليس لها بأهل، إذ هو بكل شيء عليم.